المجلس العلمي المحلي لبرشيد : لماذا الاستمرار في الإغلاق المؤقت للمساجد؟
لماذا الاستمرار في الإغلاق المؤقت للمساجد؟
برشيد نيوز : متابعة
توصلت صفحة المجلس العلمي المحلي لبرشيد على الفيسبوك، والبريد الإلكتروني للصفحة نفسها بعدة رسائل ينكر أصحابها ويستنكرون الاستمرار في الإغلاق المؤقت للمساجد دون غيرها من المرافق العامة التي استأنفت عملها كالمقاهي والمطاعم والقطارات والمطارات والحمامات والشواطئ ووسائل النقل العمومي وملاعب القرب وغيرها، بعد إعطاء الجهات المعنية الإذن برفع الحجر عنها، مدعين الغيرة على المساجد، وزاعمين وجود نية المؤامرة لاستهداف الإسلام بالمغرب، وكأن هذا الإغلاق سيستمر إلى أجل غير مسمى، أو كأنه يوجد من يمنع الناس من الصلاة في بيوتهم، في حين توجد زمرة أخرى من الناس تخشى العدوى، وتدعو إلى الاستمرار في الإغلاق المؤقت للمساجد إلى أن يظهر للجهات الوصية، أن أسباب المنع زالت، أو أوشكت أن تزول.
وحتى لا يستمر هذا اللغط، وينتقل إلى تشويش حقيقي على المواطنين والمواطنات في هذا المجتمع المسلم الأمين، رأيت من الواجب عدم تأخير البيان عند وقت الحاجة إليه، هذا رغم أن البلاغات السابقة التي أصدرها المجلس العلمي الأعلى في الموضوع، منذ بدء فرض حالة الطوارئ الصحية أراها كافية شافية.
وبهذا الخصوص أقول:
أولا: نحن في مجتمع مسلم بامتياز، مجتمع له ثوابته التي تجمع أهله وتنظمهم، وله مؤسساته المنظمة للإفتاء وعلماؤه المبرزون المعتبرون بين علماء العالم الإسلامي، فلا يسمح لأحد أن يدعي الغيرة على بيوت الله أكثر من أحد، ولا يسمح لأحد أن يدعي الوكالة في الموضوع وينصب نفسه محاميا للدفاع عن المساجد، فكل الناس تتطلع إلى فتحها على أحر من الجمر، وغالبية الناس في مغربنا قلوبهم معلقة بالمساجد، ويشكل المسجد جزءا هاما من حياتهم كما كنا نرى ونشهد ذلك في الأيام العادية، فمن يكره الاجتماع مع قومه من المسلمين في الصلوات الخمس وأثناء قراءة القرآن في الصباح والمساء وفي صلاة الجمعة، وفي مجالس العلم والوعظ التي تعقد في المساجد؟ ومن يكره أن يعود المسجد إلى أداء أدواره الطلائعية كما كان؟ ومن هذا الذي يتصور أن يسعى عمدا لتعطيل كل ذلك ويحرم الملايين من أداء هذه العبادات في المساجد ويتحمل وزر ذلك؟
ثانيا: الكل يرى بأم عينه بأن خطر الفيروس ما زال قائما، ومازال يحصد العديد من الأرواح، بل إن انتشاره في المغرب وفي عدة بلدان يسير في منحى تصاعدي خلال هذه الأيام الأخيرة، حتى إن العديد من هذه البلدان في العالم عادت إلى فرض الحجر الصحي بعد أن رفعته سابقا، وبعضها عادت إلى إغلاق المساجد بعد أن فتحتها، ودول أخرى لازالت تتخبط ولا تدري ما تفعل.
ثالثا: ينبغي العلم أن صلاة الجماعة سنّة مؤكدة لا تجب إلا في صلاة الجمعة، وتترك سواء في الصلوات الخمس أم في الجمعة لعذر عام كالوباء والمطر والريح العاصف بالليل وغير ذلك من الأعذار المسقطة للجمع والجماعات، فالمعذور بالخوف وغيره يجوز له ترك الجماعة والجمعة كما قال العلماء، ويجب العلم أيضا أن المصلّي إذا صلى في بيته مع فرد واحد من أفراد أسرته فله أجر الجماعة.
رابعا: إن من المنن الكبرى لله عز وجل على أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن جعل لها الأرض مسجدا وطهورا، وغالبية المصلين يؤدون الصلوات مع أهليهم وذويهم في البيوت منذ فرض حالة الطوارئ الصحية، وفي ذلك منح وإيجابيات كثيرة لمن تأمل وعرف، قال ابن عطاء الله السكندري رحمه الله: "ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك"، ويكفي أن الرجل منا أصبح يصلي إماما بأهل بيته وأبنائه، وأصبح مضطرا لتعلم ما كان يجهله من أحكام فقهية عديدة، بل إنه أصبح مضطرا لتعليمها وتبسيطها لمن حوله، وفي ذلك تحقق بمعنى قوله عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ".
وفي هذا المقام لا أحصي عدد الذين تواصلوا مع المجلس العلمي في هذه الفترة يسألون عن أمور دينهم، وهذه الأمور وإن كان البعض يرى حصولها بديهيا، إلا أنها مؤشر جيد، كون الناس بحمد الله تعالى رجعت إلى رحاب الله تتفقه في الدين وتسأل عن الضروري الذي لا يعذر أحد بجهله.
ولم يكن لتحصل كل هذه المكرمات الربانية لولا مكث الناس في بيوتهم وأداؤهم للصلوات فيها، قال عز وجل: "وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ"، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "أُمِرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا فِي بُيُوتِهِمْ مَسَاجِدَ"، قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: "وقيل: المراد صلوا في بيوتكم سرا لتأمنوا، وذلك حين أخافهم فرعون فأمروا بالصبر واتخاذ المساجد في البيوت، والإقدام على الصلاة، والدعاء إلى أن ينجز الله وعده"، قلت: "حصل هذا في زمن سيدنا موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام وقد خافوا من فتك الطاغية فرعون، وكذلك الأمر إذا خاف الناس من فتك الوباء في أيامنا هذه".
خامسا: لا يجب قياس بيت الله: "المسجد"، الذي يذكر فيه اسم الله، على الحمام أو المقهى، وغيرهما من الفضاءات التي أعيد فتحها، فلا قياس مع وجود الفارق أولا، ولأن ما يجوز في الفضاءات الأخرى من تباعد اجتماعي وغيره من تدابير الوقاية لا يمكن في المساجد، لأن صلاة الجماعة في مذهبنا المالكي الذي نقتدي به في بلدنا تكون بإقامة الصف وبسد خلله وفرجه دون تباعد؛ ولا عبرة إذن بمن يرى إمكانية أداء الصلاة في المساجد مع الالتزام باحترام مسافة الأمان بين المصلين، وحتى لو فرضنا إمكانية ذلك فقها، فكيف التصرف مع الملايين من الناس التي تحج لصلاة الجمعة؟ وربما اختلف الناس وتخاصموا حول المكان الواحد، فيجيء أحدهم يقصد العبادة والثواب، ويعود وقد اختلف مع أخيه المسلم بقناطير من الأوزار.
سادسا: ومن فرائض الصلاة الطمأنينة العامة وعدم التخوف من وقوع ضرر بسبب الاجتماع لها؛ أفلا ننظر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته في الحديث الصحيح المتفق عليه: "ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا"– الحديث، والأمر للوجوب وفعله عليه السلام كان على ذلك.
ولنتذكر في أيامنا العادية قبل حلول الوباء، إذا تجشأ أحد من المصلين أو عطس أو تنحنح في المسجد أثناء الصلاة، فإنه يشوش على من في جنبه ويدخله في وسوسة لا حدود لها، فما بالكم إذا حصل ذلك ونحن نعيش حالة الوباء؟ والجشاء بالمناسبة هو الصوت الحاصل مع ريح يخرج من الفم عند حصول الشبع، أخرج الإمام الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كف عنا جشاءك"، وقال أيضا صلى الله عليه وسلم من حديث جَابِرَ بْنَ عبد اللَّهِ رضي الله عنه: "مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا-أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا- وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ"، أنظروا رعاكم الله هذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم لمن أكل الثوم أو البصل أن يقعد في بيته، ولايشوش على الناس صلاتهم، فما بالكم إذن ونحن نعيش حالة الوباء؟، وكلنا يدرك تمام الإدراك هذا الذي نتحدث عنه، فهذه هي أحكام الدين التي ينبغي أن نلتزمها ونتبعها، ولا ينبغي تحكيم العاطفة والحماس الزائد دون تعقل أو القول بغير علم في مجال له أهله.
ختاما إنه عند التأمل فيمن حولنا من الناس ومن مضى منهم في علاقتهم بالأمر والنهي عموما وباتباع والتزام ما ينفعهم، فهم ليسوا سواء وليسوا على درجة واحدة، وهذا هو شأن الناس وهذا هو حالهم، والمهم في الأمر هو ألا يكون اجتماع الناس في المساجد سببا في انتشار الوباء، فأن يسمع أو يسجل بأن مزرعة أو مصنعا كان سببا في نشر الوباء ونقل العدوى، ليس على الدرجة نفسها بأن يسجل بأن مسجدا من المساجد، هو السبب في إصابة شخص بالوباء والعدوى، فإذا سجل ذلك لا قدر الله فإنه ستكون له عواقب سلبية وخيمة على عدة مستويات، وأسوأ حالات ذلك أن يتخوف الناس من الدخول للمساجد بعد أن كانوا يتوقون إليها.
وباعتبار كل ما قيل، ونظرا للظروف الحالية للحالة الوبائية التي لازلنا نعيشها ويعيشها العالم برمته، فإن الاستمرار في الإغلاق المؤقت للمساجد هو الرأي الحكيم الأسلم للجميع حماية لحياة عباد الله، دون عاطفة جياشة وحماس زائد، سائلين المولى عز وجل الفرج القريب والعودة الآمنة إلى رحاب المساجد، أمين والحمد لله رب العالمين.
د.عبد المغيث بصير
رئيس المجلس العلمي المحلي لبرشيد.