بقلم الجيلالي طهير : تاريخ الأسماء على أزقة برشيد العتيقة
برشيد نيوز : بقلم الجيلالي طهير
كانت برشيد مدينة صغيرة، قليلة السكان، حادرة البنيان. ينتسب معظم أهلها إلى عشائر أولاد حريز، وهم على الجملة طيبون، ينبذون التطرف ويحبون الحياة. لا يخلون من رجال تحرك سواكنهم الوترة والراح في الليالي الملاح. ارجانا في العالي.
الزوار الوافدون إليها من الدار البيضاء، عبر الطريق المنجورة، وهي الاسم الأصيل لطريق مديونة، أو على الخط الحديدي العسكري القادم من عين بوسكورة، كانوا يعبرون زنقة فوكو، مولاي ادريس الأزهر لاحقا، من أجل الوصول إلى ساحة وسط المدينة، حيث تتمركز مختلف المرافق الإدارية الفرنسية (ساحة الاستقلال حاليا).
وفي منتصف الثلاثينات، جرى تعديل طفيف على تصفيف الطريق الرابطة بين مراكش والدار البيضاء، بعد إزالة محطة السكة الحديدية العسكرية، وتشييد المركب الرياضي (إقامة المطار حاليا)، ليترسخ الدخول إلى وسط المدينة من زنقة كليمنصو (طارق بن زياد) ، والعودة منها عبر زنقة الماريشال ليوطي (عقبة بن نافع).
وكأنها قرية فرنسية نبتت في ربوع الشاوية ، كانت برشيد العتيقة تتوفر على تصميم هندسي عصريplan damier ، يقسم أزقتها إلى مربعات سكنية، تعبرها خطوط متعامدة، تنطلق من واجهة المدينة شرقا، وتتقاطع مع خطوط متوزاية تصل الشمال بالجنوب. ومن أجل إثبات الوجود والهيمنة، ونشر الصيغة الحضارية الدخيلة على الأرض المحتلة، أطلقت السلطة الاستعمارية أسماء فرنسية على هذه الأزقة، جرى تعويضها بأسماء عربية اسلامية، بعد أن تحقق الاستقلال وزال الاحتلال، على النحو التالي:
ساحة الاستقلال عوض ساحة فرنسا. ساحة المغرب العربي عوض ساحة الحلفاء. زنقة عقبة بن نافع عوض زنقة ليوطي. زنقة طارق ابن زياد بدل زنقة كليمنصو. زنقة مولاي ادريس الأزهر بدل زنقة فوكو. زنقة موسى ابن نصير عوض زنقة الجنيرال جوفر. زنقة ابن رشد عوض زنقة كانيزاريس. زنقة يوسف بن تاشفين بدل زنقة كامبيطا. زنقة علال بن عبد الله عوض زنقة مارسيليا . زنقة ابن خلدون بدل زنقة ليون. زنقة القاهرة محل زنقة بوردو . زنقة المدينة عوض زنقة باريس. زنقة علي ابن أبي طالب بدل زنقة بيير لوتي. زنقة يعقوب المنصور عوض زنقة كامبير. زنقة مولاي يوسف بدل زنقة الجنيرال دماد . مهج مولاي الحسن عوض مهج مانجان. زنقة الجنيرال الكتاني عوض زنقة باستور. زنقة المسيرة بدل زنقة أريستيد بريان. زنقة صلاح الدين الأيوبي عوض زنقة فكتور هيكو ، الخ.
جاء تخليد أسماء فيكتور هيكو (شاعر وروائي)، ولويس باستور(عالم)، وأرستيد بريان ( جائزة نوبل للسلام) من طرف سلطة الاحتلال مثلما وقع في جميع مدن فرنسا التي أطلقت اسم فيكتور هيكو على أكثر من 2000 شارع. وجاءت تسمية الكابورال كانيزاريس لاعتبارات محلية، لأن عائلة هذا الضابط العسكري الذي استشهد في معركة فيردان خلال الحرب العالمية الثانية، كانت تسكن بنفس المكان ببرشيد. بعد احراق المسجد الأقصى سنة 1969 تم استبدال اسم زنقة فيكتور هيكو، القاصدة المسجد الأعظم والمتواجدة في حي معظم سكانه من اليهود، بزنقة صلاح الدين الأيوبي.
ولم تستبدل الإدارة الجديدة لعهد الاستقلال أسماء عواصم الأقطار العربية التي كانت خاضعة للاحتلال الفرنسي، مثل زنقة تونس، زنقة الجزائر، زنقة دمشق. وأطلقت أسماء الخلفاء الراشدين على الأزقة المؤدية للمسجد الأعظم، كالتالي: زنقة أبوبكر الصديق التي تنطلق من ساحة الاستقلال، وكان العامة يسمونها زنقة الكنفود؛ زنقة عمر بن الخطاب التي تبدأ من شارع محمد الخامس، وعلقت اللوحة الارشادية حاملة الاسم في ذلك الوقت على جدار حانة لبيع لخمور؛ زنقة عثمان بن عفان التي تبدأ من شارع محمد الخامس، وكانت في الأصل ممرا للخط الحديدي العسكري القاصد الثكنة العسكرية (مستشفى الأمراض العصبية لاحقا)؛ زنقة علي ابن أبي طالب الذي يربط زنقة دمشق بزنقة عثمان بن عفان.
سادت الفوضى، وزالت بعض الأزقة القديمة ولم يعد لها وجود، مثل زنقة الجنيرال موانيي التي بنيت فوقها منازل سكنية بحي القادري، والتي ظلت وضعيتها معقدة إلى أن تمت التسوية في نهاية التسعينات؛ وزنقة المدارس التي بنيت فوقها مدرسة عائشة التيمورية، عندما رخص باشا المدينة مولاي الطاهر للمعمر الفرنسي مازرول ببيع الأرض المتواجد عليها حمام النصر ومكتبة السباعي. كان العقار المذكور مخصصا لوزارة التعليم، وقبل الشروع في بناء المدرسة، تم حفر خندق طويل على عرض الطريق الفاصلة بين المدرسة الأوربية والمدرسة الأوربية لمنع المرور، في انتظار احتجاج من يهمهم الأمر على إلحاق الضرر. وعندما لم يحرك أحد ساكنا، خرجت المدرسة إلى الوجود، وكأن شيئا لم يكن. خلال تلك الحقبة، قام رئيس دائرة الشاوية الوسطى بمنع المرور من مهج مولاي الحسن لأسباب أمنية، بواسطة أعمدة اسمنتية، على مستوى درب جديد. وبعد مرور سنوات، اختفت بدورها زنقة أبي بكر الصديق جراء توسيع حديقة المغرب العربي. ثم جاء الدور على زنقة علي بن أبي طالب التي بترت من الوسط، بواسطة سياج حديدي، وأضيف الجزء المبتور لحديقة المسجد الأعظم، من أجل إحداث " توازن بيئي" جرى الإخلال به، عند بناء مسجد أحد فوق حديقة الساتيام.
عندما أصبحت طريق مراكش، وهي الطريق الرئيسية التي تربط برشيد بمدينة مراكش، تحمل اسم شارع محمد الخامس، أطلق اسم مراكش على شارع متفرع عن هذه الطريق، يمر بمحاذاة درب آرلو، ويحمل الآن اسم شارع عبد الله القادري. لا أحد يجادل في وجود شبه إجماع على هذه التسمية الجديدة، للتعاطف الذي يحظى به عبد الله القادري في قلوب الساكنة. لكن شريحة مهمة من الناس كانوا يفضلون إضافة لقب العقيد على اسم عبد الله القادري، على غرار الجنيرال الكتاني، لما أبداه الرجل من تضحيات في صفوف القوات المسلحة الملكية، وهو الذي كان على الدوام يفاخر بأوسمته العسكرية في حملاته الانتخابية.
على العكس من حي آرلو المتميز بأزقة تحمل أسماء لها ارتباط بالأصول العرقية للسكان، مثل زنقة الشاوية وزنقة أولاد حريز، كانت أزقة درب جديد تحمل حروفا أبجدية فارغة المعنى، من غير أي دلالات رمزية. لذلك كان السكان يستدلون على أزقتهم بأسماء بعض الأشخاص القاطنين بها، مثل: زنقة زرزور، زنقة قريديد، زنقة بيغن، زنقة التخرشيش، الخ.
بين درب جديد والجارة القيسارية تنتصب زنقة الزرقطوني التي لا يقطن بها ساكن، ويطلق عليها سكان برشيد شارع الحب والغرام. لم يكن لشباب درب جديد نصيب في الرومانسية والحب العذري، أيام زعيمهم الاتحادي حمو بلمقدم، حفظه الله. وإنما عاشوا بدلا من ذلك مراهقة سياسية، أدمنوا خلالها على تناول الأوراق الحزبية، وثملوا حتى الغثيان. مستملحات هذا الحي جزء تاريخه الذهبي، ومنها:
ما بياش الورد نشمو، بيا عيونك ألسي حمو
ما بياش ناس الحومة، بيا عيونك أحمومة
مريضة وما كادا ، والى جا حبيبي نوضوني ليه... عا بوسوني، وسيرو !!!