برشيد ... خليفة محمد بن الحطاب، الغائب الحاضر فيــ .. نا.
برشيد نيوز : الجيلالي طهير
آفة الإنسان النسيان،يزداد نِسيانهُ كلما ابتعد عنه زمان الذين سبقوه إِلى هذا الحادثِأوذاك. ونحنُ عندما نتناولُالحديثَ عن الراحلين الذين أَورثونا أَخلاقهم ومبادئهم، فإِننا لا نعيشُ في ذكراهم حياتنا فقط، بقدرِ ما نعيشُ حياتهم، لأنَهم يظلون في قلوبنا، وفي عقولنا،رموزا ًعصيةً عن الاندثار.
أَحد هؤلاء الرموزِ، خليفة سيدي محمد بن الحطاب، حاضرٌ لا يغيب، نَستعيدهُ بالصورة بصفته مسيراً سابقاً للنادي الرياضي يوسفية برشيد في مرحلةِ الستينات، وبالكتابةِ كرمز للتواضع والنزاهة والاخلاص للمبادئِ التي عرفها عليه الناس. فهولم يٌبارك في يوم من الأَيام شطط السلطةِ المحلية عندماكانت تتعسفُ على الناس، ولم يضع أَبداًيداهفي وسخِ الأَحزابِ الديماغوجيةِ عندماقررت هذه الأَخيرة أَن تتسلق ظهور الناس.
ازداد خليفة سيدي محمد سنة 1920 بأَولاد حريز، من أَبيه الحطاب بن الحاج حمو، ورقية بنت بوشعيب بن احسين. وبالتالي، فهو من جهة، حفيد الحاج حموبن أَحمد بن الجيلالي الفقري، قائد أَولاد حريز وباشا مدينة الدار البيضاء في عهد السلطان مولاي عبد العزيز، وابن أَخ الحاج محمد ولد الحاج حمو متزعم انتفاضة الدار البيضاء سنة 1907، دفين مقبرة الشهداء بوجدة، حيث كان محكوماً عليه بالسجن مدى الحياةِ. ومن جهةٍ أخرى، هو حفيد المجاهد بوشعيب بن الشيخ علي بن احْسين التعلاوتي ، أَحد أتباع العلامة عبد الكبير الكتاني، المعارضينلتوقيع معاهدة الحماية الفرنسية . وقد تعرض بوشعيب ابن احْسين نتيجة ذلك للاغتيال بمدينة الرباط، ودفن بمقبرة شالة سنة 1911.
اشتهرالشابُخليفة سيدي محمد بممارسةِ لعبة كرة القدم ضمن صفوفِ النادي الرياضي برشيد (الكاب) إبان فترة الحماية، وكان وقتها يزوالُ تعليم اللغة الفرنسية بمدرسة الشيخ العائدي بتعلاوت، حاملاًقِيم الحداثة والتقدم في مجتمع أُمي، الشيء الذي مكنهُ من الانخراطِ بقوةٍ في معركة التحرير الوطني، والمشاركة في أوراش البناء عند إعلان الاستقلال.
انخرط خليفة في النادي الرياضي يوسفية برشيد كلاعب، وكعضو بالمكتب المسير للنادي، بعد مغربة " الكاب" الذي أضيف له اسم " اليوسفية"، تيمناً بالسلطان الشرعي محمد بن يوسف. كما شارك في أول استحقاقٍ جماعي تم تنظيمهبالمغرب المستقلِ سنة 1960، وفاز بعضويةِ المجلس البلدي الذي كان يتكون مما يلي:
- حزب الاستقلال: بوشعيب الموحدي (الرئيس)، عبد القادر بكري (نائب الرئيس)، محمد بن المكي، بوشعيب الكتاني، عمر الخديم، علي أَبو العز.
- الاتحاد الوطني للقوات الشعبية: خليفة محمد بن الحطاب، ادريس اسمعلي بن حمو، أَحمد جوالي بن لفقيه، الجيلالي رفاق، أَحمد فهمي.
وفي خِضم الأَحداثِ التي تلت الطلاقَ المبكر بين النقابة المركزيةِ الاتحاد العام للشغل وحزب الاتحاد الوطني ق.ش ، وقرار الحزب التصويت ب " لا" على مشروع دستور المملكة المغربية، ثم الدعوة إلى مقاطعةِ الانتخابات الجماعية المقررة في 28 يوليوز 1963، والذي اعتبره المؤرخون بمثابةِ توقيع شهادة احتضار الهيئة المذكورة، خاض خليفة محمد بن الحطاب غمارَ الانتخابات المحلية، بدون انتماءٍ سياسي، بدائرة الحي الصناعي المجاور لمقر عمله ، كمديرٍ للشركة التعاونية الفلاحية " لاسكام". وأَناب عنه في مكتبِ التصويت رفيقهُالمقاومخالد المكي، أحد الوجوه البارزة في صفوف الاتحاد الوطني ق.ش، وتم إشعار السلطة المحلية عن قرار الإِنابة بواسطةِ البريد المضمون.
وعلى إِثر إِقالة الرئيس ناجي بوشعيب حميدة التعلاوتي من رئاسةِ المجلس البلدي، بواسطةِ حكم قضائي صادر في حقه، بعد مرور فترةٍ وجيزةٍعلى انتخابه، تسلق خليفة محمد سُدة الرئاسةِبصفته النائب الأَول للرئيس، ليندلع الصراع بينه وبين السلطة المحلية، الممثلة في شخص رئيس الدائرة على زلماط، المنتمي لهيئة المترجمين في عهد الحماية.وقد نجم عن العلاقة المتدهورة بين الطرفين تعليق المشاريع التنمويةبالمدينة، بسبب تجميد الاعتمادات اللازمة لإنجازها، والتي كان يحتاج صرفها للتوقيع المشترك بين السلطة المحلية ورئاسة المجلس البلدي، بحسب القانون الجاري به العمل في تلك المرحلة.
من الحكاياتِ المرويةِ عن هذا الصراع، أَن حيسوبي البلدية، المدعو بولويز، الذي كان يعاني من الإِدمان على الكحول،حاول في كثير من المناسبات التحرشَ بالرئيس خليفة، والاعتداء عليه، بتحريضٍمبطن من صاحبِ السلطة، كرد فعل على امتناع الرئيس عن توقيعِ الحوالات المحالة عليه. وفي هذا السياقِ، كتب الصديقأَحمد خير، قيدوم أَبناء برشيد المقيمين بكندا، وكان موظفاً يشتغل ببلدية برشيد قبل الهجرة، أَن الرئيس خليفة دخل الملعب البلدي، في يوم من الأَيام، لمتابعة مباراة يوسفية برشيد، مرتدياً الزي التقليدي، وهو ينفتُ سيجارته في الهواء، فتطاولَ عليه السي محمد كنيرحمه الله، وهو من مشاهير مشجعي يوسفية برشيد، المعروف بسلاطةِ اللسان والتجرؤ على أَيٍ كان. يقول الصديق أحمد خير في أَحد المواقع الإلكترونية: " كان سي محمد كني يعاني من عدم القدرة على كبث مشاعره، تهجم على الرئيس خليفة، على الرغم من أَن هذا الأخير يحظى باحترام كبير من لدن السكان، وقال له: طوز، تعجبونا في الجلاليب والطرابيش. مدوزها واحد في برشيد هو السي علي زلماط. كون عطاوني نحكم نبومباردي برشيد. ولم يلتفت له الرئيس خليفة".
ومن جهته كتبَ الصديق محمد ايدوبلا، أَحد أَيقونات برشيد تغمده الله برحمته: " كان الرئيس خليفة شخصيةًجد محترمة،يجلس ببدلته الأَنيقة وسط أَفرادٍ من الطبقةِ الشعبية، يلعب معهم الضامة في ساحة القيسارية.وكان شخص يلقب ب" الشلاكش بو النواقص" يأتي من مدينة الدار البيضاء ، خصيصاًليستعرض عضلاته على الخلقِ في طروحةِ الضامة بالقيسارية، ولم يكن أَحد يستطيع هزمه غير الرئيس خليفة" .
في سنة 1972،تم تجميد النشاط السياسي للاتحاد الوطني ق.ش (فرع الرباط)، بمرسوم الوزير الأول أحمد عصمان. وبعد سنوات قليلة ، سيتم تأسيس حزب جديدٍ وهوالاتحاد الاشتراكي ق.ش، في سياق تقوية الجبهة الداخلية من أجلِ استرجاع الأقاليم الصحرواية. حينهاخاض خليفة سيدي محمد غمار الانتخابات الجماعية لسنة 1976 بدون انتماء حزبي، وبصفة " محايد"، وتفوق على منافسه من حزب الاتحاد الاشتراكي في الدائرة الانتخابية. وهذه المرة أيضاً، سيساندهفي حملته الانتخابية ، بدائرة الحي الصناعي، رفيقه خالد المكي لكبابطي، الذي أَسس مكتب الاتحاد الاشتراكي ببرشيد. ولما سئل عن عدم التزامه بالضوابط الحزبية أجاب بالقول: " خليفة راجل، واتحادي حقيقي، كان محبوس معايا في شامبري واحد". مع توالي الأَيام، تبين للعيانبأَن خليفة سيدي محمد هو هو، صاحب مبادئ وقناعاتغير قابلة للمساومة، وبعض النكرات التي أَوصلتها الرافعة الحزبية إلى حظيرة المجلس حولتالبوصلة إلى اتجاه معكوس.
لم يكن خالد المكي، الصديق الوفي لخليفة سيدي محمد، شخصيةً عادية، وكان يقال عنه في الأوساط الشعبية:" ثلاثة كون كانو قارين كون حكمو لبلاد: لكبير مول السينما، لمكي لكبابطي، والسي محمد ولد سليمان". كان خالد المكي كما وصفه الأخ ادريس الشيخاوي مؤخرا،عبر شبكة التواصل الاجتماعي: " رجل قل نظيره في زمن طغت فيه الذاتية على الموضوعية، والانتهازية والوصولية على المصلحة العامة، وحب الذات على حب الوطن".
أَثناء توزيع البقعِ الأرضية بالحي الحسني، من طرف المجلس البلدي في حقبة الثمانينات، على أَصحاب اليمين وأصحاب اليسار، ومنهم من يمشي على اثنين، ومنهم من يمشي على أربع،عرض رئيس مصلحة الموظفين ببلدية برشيد قائمة بأَسماء الموظفين والأعوان المرشحين للاستفادة من البقع الأرضية، على أنظار رئيس المجلس البلدي،السيد عبد الله القادري، قصد المصادقة عليها. تأملزعيم الحزب الوطني الديموقراطي الورقة قليلاً، ثم شطب بالقلم على اسم أحد أبناء خليفة محمد بن الحطاب، الذي كان موظفا بالجماعة، دون سائر الموظفين. لكن لما وصل الخبر إلى مسامع نائبِ الرئيس، المرحوم أَحمد فهمي، سارع هذا الأَخير إِلى معالجةالموقف، وعمل على إِدراج المشطب عليه في لائحة جديدةٍ وقع عليها بإسمه.
قضى خليفة سيدي محمد بن الحطاب آخر حياته بسطات، بعد أَن ساقته إليها ظروف العمل، فأَصبح عضواً في المكتب المسير للنهضة السطاتية، عندما كان الفريق الأَزرق يعيش أزهى أيامه. هناك أيضا، ظل الرجل يزاول لعبته المفضلة " الضامة" مع الطبقات الشعبية في الشارع العام المؤدي لثانوية بن عباد.
توفي خليفة سيدي محمد في شهر دجنبر 1981، ووري جثمانه الثرى بضريح سيدي أحمد بن عتو بدوار التوامة/ تاعلاوت، حيث يرقد أخواله من آل احْسين.عند انتهاء مراسيم الدفن، انصرف المشيعون، وتخلف منهم رجلٌ بقي منتصباً بجانب القبر يتأمل حال الدنيا. وقف المعطي المزمزي، المسؤول السابق عن الوقاية المدنية ببرشيد، عند رأس الفقيد، وردد متحسرا هذه الكلمات،العميقة المغزى، التي تختصر حياة صاحب القبر: "إيه ألديموقراطية، فاينك ألديموقراطية".
استوحى المعطي المزمزياسمه من جده القائد الحاج المعطي بن الكبير المزمزي، الذي قتل في أحد المعارك الضارية في مواجهة القوات الفرنسية بضواحي سطات. فرحم الله السي المعطي، فيلسوف الوقاية المدنية، ورحم الله خليفة سيدي محمد "الديموقراطية".
.,,’’’,,,
الصورة الأصل مأخوذة من أرشيف الصديق محمد نجيب العثماني، وهي تجمع: المصطفى بن حمو بلمامون، خليفة محمد بن الحطاب، عمرو شنان، حسن بلمحفوظ بن عبد الله، ادريس الخطيب بن بوشعيب بن عبد المالك.